في السنوات الأخيرة، أصبحت جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم الاقتصادية التي تهدد استقرار الدول، وتفتح أبوابًا خلفية لتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة، ومع تطور التكنولوجيا وظهور وسائل جديدة للتربح مثل منصات التواصل الاجتماعي، تطور معها أسلوب غاسلي الأموال، فبات من الممكن اليوم استخدام تطبيقات مثل تيك توك كإحدى الوسائل لغسل الأموال، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة، وليست السبب الحقيقي للجريمة.
ما هو غسل الأموال؟
طبقًا للقانون رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال في مصر، فإن الجريمة تقوم عندما يحاول شخص إضفاء الصفة الشرعية على أموال ناتجة عن نشاط إجرامي. ويقصد بالنشاط الإجرامي كل عمل يُعاقب عليه القانون، سواء كان تجارة مخدرات، تهريب، رشوة، اتجار بالبشر، أو غير ذلك من الجرائم التي تحقق ربحًا غير مشروع.
باختصار، هي محاولة "تنظيف" الأموال القذرة لتظهر في صورة أموال نظيفة يُمكن استخدامها في النظام المالي بشكل طبيعي.
أركان جريمة غسل الأموال
تتطلب الجريمة تحقق ثلاثة أركان:
1. وجود مال متحصل من جريمة (النشاط الإجرامي الأصلي).
2. تصرف في هذا المال كالإيداع، التحويل، الإخفاء، أو الاستثمار.
3. نية إخفاء مصدر المال غير المشروع أو تمويهه.
منصات التواصل كوسيلة لغسل الأموال
منصات مثل تيك توك ويوتيوب وغيرها أصبحت مصادر دخل مشروع لمنشئي المحتوى، ولكن في بعض الحالات، قد يتم استغلال هذه المنصات من قبل البعض لغسل الأموال، كأن:
يقوم شخص بتحويل أموال مجهولة المصدر إلى حساب صانع محتوى مقابل خدمات وهمية.
يتم إنشاء حسابات وهمية تقوم بتحويل أموال عبر "هدايا افتراضية".
يتم ضخ أموال بطريقة مريبة في إعلانات غير حقيقية أو مشاهدات مدفوعة مزيفة.
لكن من المهم هنا أن نفرق بين المنصة كوسيلة، وبين الجريمة ذاتها. فالمشكلة ليست في تيك توك نفسه، بل في الطريقة التي يُستخدم بها من قبل بعض المجرمين.
هل تيك توك سبب في الجريمة؟
تيك توك ليس سببًا مباشرًا في جريمة غسل الأموال، بل هو أداة قد تُستخدم ضمن منظومة الجريمة. فمثلما يمكن استخدام الهاتف في التهديد أو السيارة في التهريب، يمكن استخدام تيك توك كوسيلة لنقل الأموال غير المشروعة أو إخفاء مصادرها، لكن المسؤولية الجنائية تقع على من يستغل هذه الوسائل في أنشطة غير قانونية.
جهود الدولة المصرية في المواجهة
مصر أولت اهتمامًا كبيرًا بمكافحة غسل الأموال، من خلال:
وحدة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالبنك المركزي، وهي الجهة المعنية بمتابعة المعاملات المشبوهة.
الرقابة على التحويلات البنكية والمحافظ الإلكترونية.
التعاون مع المنصات الإلكترونية لكشف مصادر الأموال وحصر التدفقات المالية المشبوهة.
تحديث التشريعات باستمرار لمواكبة التطورات الرقمية.
ما هي عقوبة جريمة غسل الأموال في مصر؟
يُعاقب القانون المصري مرتكب جريمة غسل الأموال بموجب القانون رقم 80 لسنة 2002 وتعديلاته. وتنص المادة (14) من القانون على أن:
> "يعاقب بالسجن لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تتجاوز سبع سنوات، وبغرامة تعادل مثلي الأموال محل الجريمة، كل من ارتكب أو شرع في ارتكاب جريمة غسل الأموال."
كما يجوز للمحكمة أن تحكم بـ:
مصادرة الأموال أو الأصول محل الجريمة.
حرمان الجاني من مزاولة نشاطه التجاري أو المهني لفترة زمنية محددة.
إدراج اسمه في القوائم السوداء المالية محليًا ودوليًا.
وتشدد العقوبة إذا ارتكبت الجريمة في إطار جماعة منظمة أو عبر الحدود، أو كان مرتكبها موظفًا عامًا استغل وظيفته.
الخلاصة
تيك توك، كغيره من وسائل التكنولوجيا، ليس شرًّا في ذاته، لكنه يمكن أن يتحول إلى أداة في يد من يريد إخفاء جريمة مالية. الحل لا يكون في محاربة المنصة ذاتها، بل في مراقبة السلوك الإجرامي واستخدام التكنولوجيا لكشفه. ويبقى الدور الأهم هو التوعية المجتمعية بخطورة غسل الأموال، وضرورة التبليغ عن أي نشاط مريب، حتى لا تتحول الوسائل الترفيهية إلى أدوات للجريمة.