إذا كنت تتابع فيلمًا أو مسلسلًا أميركيًّا مليئًا بالإثارة فعلى الأغلب ستحدث مطاردةٌ بين الشرطة وإحدى الشخصيات، إن ألقي القبض عليه فتستطيع توقّع ما سيقال له بسهولة، أليس كذلك؟ "لديك الحقّ لأن تبقى صامتًا، أي شيءٍ تقوله يمكن وسوف يستخدم ضدّك في المحكمة، لديك الحقّ في توكيل محامٍ للدفاع عنك، وإن لم تستطع تحمل تكاليف توكيل محامٍ للدفاع فسيوفّر لك واحدٌ مجّانا، أتفهم الحقوق التي ذكرتها لك؟ أخذًا باعتبار هذه الحقوق، هل تودّ الحديث معي؟"
أي أن تحذير ميراندا هو :- مجموعة من الإجراءات الجنائية التي توجه إلى المشتبه به فور القبض عليه من قبل قوات الشرطة في الولايات المتحدة الأمريكية ،وذلك قبل بدء عملية الاستجواب وتوجيه الأسئلة
قد تأتي بصيغٍ مختلفةٍ ومختصرةٍ أحيانا في بعض العروض التلفزية. ولكنّ الأساس فيها هو معرفة المتّهم بحقّ الصمت وحقّ المحاماة واستعمال ما يقوله ضدّه في المحكمة. فكيف بدأ هذا الحقّ وصار واجبًا على الشرطة إخبار المتّهمين قبل اعتقالهم به؟
ميرندا لم يعلم بأنّ لديه الحقّ بالتزام الصمت
في الثالث عشر من مارس، عام 1963 اعتقلت شرطة أريزونا الأميركية "إرنستو ميرندا" ، واعترف بالتّهم التي وجّهت إليه. في اعترافه كتب أعلى التوقيع أنّ المتّهم أدناه عالمٌ بحقوقه القانونية ويعترف بتهمه رغم ذلك. ولكنّ هذا لم يكن صحيحًا، فميرندا لم يعلم بأنّ لديه الحقّ بالتزام الصمت وتوكيل محامٍ وأنّ ما يقوله سيستعمل ضدّه في المحكمة.
وكّل محامٍ لميرندا، وقدّم المحامي اعتراضًا على عدم معرفة ميراندا بحقوقه القانونية. ولكنّ المحكمة لم تقتنع بأقوال محامي ميرندا "لفين مور". وحين خسر مور استئنافًا قدّمه بعد الحكم على ميرندا بالسجن لأكثر من عشرين عامًا راسل ميرندا الاتّحاد الأميركي للحقوق الأميركية مناشدًا إياه الاستغاثة لمرض محاميه. وأرسل الاتّحاد ثلاثة محامين له عرضوا قضيته بجانب ثلاثة قضايًا مشابهة.
حين عرض المحامون واقع أنّ البند الخامس والسادس انتهكوا من شرطة أريزونا أيد خمسةٌ من هيئة المحكمة الإفراج عن ميرندا وعارضه أربعة. وأفرج عنه في الثالث عشر من يونيو، عام 1966.
اعتقل ميرندا مرةً أخرى بأدلّةٍ أخرى وحوكم بالسجن إحدى عشر عامًا، أطلق بعدها بسراحٍ مشروط والمفغرقة أنه قتل في حانةٍ عام 1976، قاتل ميرندا حينها سمع تحذير ميرندا يتلى عليه من الشرطة بينما اعتقل.
**
والقانون الإنجليزى نص على حق الصمت عام 1912, والذى أوجب أن يخطر المتهم من جهة الاستدلال أو التحقيق إنه ليس ملزماً بأن يقول أى شيء إلا إذا كان لديه الرغبة فى أن يقوله ولكن كل ما سيقوله سيؤخذ كدليل
، والزمت المادة 114 من قانون الاجراءات الجنائية الفرنسى قاضى التحقيق بتنبيه المتهم بأن له الحق فى الصمت، وان إغفال ذلك يؤدى إلى بطلان الاستجواب و الإجراءات اللاحقة عليه,
كما ان المؤتمر الدولى الثانى عشر لقانون العقوبات المنعقد فى هامبورج عام 1979 كان من أبرز توصياته أن المتهم له الحق فى أن يظل صامتاً ، ويجب تنبيهه إلى هذا الحق.
اما فى مصر لم ينظم قانون الاجراءات الجنائية المصرى حق المتهم فى الصمت امام الشرطة او امام النيابة العامة فى مرحلة التحقيق الابتدائى, اذ اقتصر الامر فقط فى المادة 274 من قانون الاجراءات الجنائية على عدم جواز استجواب المتهم امام المحكمة إلا إذا قبل ذلك
**
لكن المادة 55 في الدستور المصري نصت على " كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه ، ولا إيذاؤه بدنياً أو معنوياً ، ولا يكون حجزه ، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانياً وصحياً ، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة
ومخالفة شئ من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقاً للقانون
وللمتهم حق الصمت وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شئ مما تقدم ، أو التهديد بشئ منه، يهدر ولا يعول عليه
**
نستخلص مما سبق ان كل متهم يحق له الصمت
دون ان يعد صمته هذا بأى حال من الأحوال قرينة أو دليلاً ضده، فهذا الحق يبيح للمتهم عند سؤاله او استجوابه رفض الإجابة عما يوجه إليه من أسئلة، دون أن يُؤخذ امتناعه هذا على إنه قرينة على ثبوت الاتهام ضده, و يجب أن يثبت بمحضر التحقيق ان المتهم تم إخطاره من جهة التحقيق إنه ليس ملزماً بأن يقول أى شيء إلا إذا كان لديه الرغبة فى ذلك, وان ما سيقوله سيؤخذ كدليل ضده.
ويرتبط الحق فى الصمت بالقاعدة الفقهية الاصولية انه لا ينسب لساكت قول, و بقاعدة ان الاصل فى المتهم البراءة
يقع عبء الإثبات على النيابة العامة ، أي ان المتهم غير ملزم بإثبات براءته بل النيابة ملزمة بتقديم الأدلة التي تدينه